01 - 05 - 2025

ضوء | العدل

ضوء | العدل

أكتب عن العدل نقيض الظلم السائد في كل مكان... وأقصد به كل ظلم، وكل ظالم، من الأصغر إلى الأكبر، من الأب الظالم أو المسؤول أو الوزير إلى الحاكم... فكلما ازداد عدد المتضررين تعاظم الضرر وازداد العقاب.

الظلم وما أدراك ما الظلم، وما يفعله من أهوال ومصائب. والقرآن العظيم يزخر بالآيات الكريمات التي تمقت الظلم وتحث على العدل. فالآيات التي وردت فيها كلمة ظلموا 45 آية، والآيات التي وردت فيها كلمة ظالمون 34 آية، أما كلمة الظالمين فقد وردت في 92 آية، هذا عدا عن الآيات التي وردت فيها كلمات مثل ظلم وظلما وظلمهم وظالم وظالمة وظالمي وظلمه وظلمت ظَلمهم ظلموا ظلمتم ويظلمون وتظلمون بضم الياء وفتحها.

ومن أمثلة الآيات الكريمات: «إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم». «ألا إن الظالمين في عذاب مقيم». «فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين». «والله لا يهدي القوم الظالمين». «والله لا يحب القوم الظالمين». «ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين». «إن لعنة الله على الظالمين». «بئس للظالمين بدلا». «فبُعدا للقوم الظالمين». «وقيل للظالمين ذوقوا ما كُنتُم تكسبون». «تَرى الظالمين مشفقين مما كسبوا». «وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين».

والظلم يخلق أتباعاً جبناء كالدجاج، فيا أيتها الطيور المدجّنة، أما سئمتم وأنتم تكاكؤون كل نهار، وتسبّحون كل ليل شاكرين نعمة الذل والعبودية، مبتهجين بانتظار دوركم للذبح، لتقديم لحمكم الطري على موائد أسيادكم، بئسًا لكم.

بئسًا لرؤوسكم المطأطأة المحنية دومًا إلى الأسفل لالتقاط الفتات، بئسًا لعيونكم الزائغة الباحثة دومًا عن الدود والطعام الفاسد، في حين أنكم تعتقدون أن تلك البقايا فرص ثمينة وعليكم اقتناصها. بئساً لخطواتكم الراكضة خلف الظالم دومًا. الظلم دجنّكم، والاستبداد نمّطكم، والفساد جعلكم صُمّا، والذلّ جعلكم بكمّا، والهوان والتسول جعلكم عُمّيا، والخوف أعمى بصركم وبصيرتكم.

الخوف، هذا الشعور العجيب الذي يراود الظالم والمظلوم معًا، يهجس للظالم في كل حين، في صحوه ومنامه، في غفوه وأحلامه، ويؤرق حياته، فيضع كل الأجهزة الأمنية تحت إمرته، من أجل إبعاد شبح الخوف عنه، ويدجج كل الأفراد المحيطين به بالقوة والسلاح، ويجعل الوطن كله مقراً أمنيًا أو مركز شرطة، ومع ذلك لا ينفع كل هذا وذاك، ويظل الخوف كابوسًا يطارد الظالم في كل حين.

والخوف يفعل أفعاله في المظلوم أيضًا، فيجعل من قلبه ورقة في مهب الريح. يخاف من الهمسة، يخاف من انعكاس صورته في المرآة، فلربما أحد يتلصص عليه، يخاف من ظله، يخاف من حركاته التي يمكن أن ترصدها آلات التصوير الخاصة بالظالم، يخاف من لسانه أن يزلّ بكلمة تزعج مسامع الظالم، فتلتقط آلات التسجيل تلك الهفوة، يخاف من أي كلمة يكتبها أو حرف يشطبه، يخاف من عينيه حين تبصران النور، فينهرهما خوفًا من محاسبة الظلام. يخاف من أذنيه أن تسمعان ما لا يرغب الظالم بسماعه، يخاف من يديه أن تخطأ وترفع إصبع السبابة اتهاماً أو احتجاجا، يخاف من قدميه أن تجرجاه إلى حبل مشنقة الظالم. يخاف من قلبه أن ينبض بالكرامة والعزة.

وعندما يزور المرء بلدًا حرّا، لا ظالم فيه ولا مظلوم، ويشمّ رائحة الحرية، يعرف الفرق، ويعرف طعم الحياة، فهل من الممكن أن يكون العالم كله بلدًا حرّا؟

حكمتَ فعدلتَ فأمنتَ فنمتَ في العراء، يا عمر بن الخطاب العادل، هكذا خاطب مبعوث كسرى الفاروق عمر أمير المؤمنين، عندما رأى عمر يستظل وحيداً تحت شجرة وهو يغطّ في نوم عميق، بلا جند يحرسون ولا مواكب يتقدمون، ولا زبانية يرعبون، ولا جموع يهتفون، وكانت تحت إمرته دولة شاسعة لا تغيب عنها الشمس، فالأمن في العدل، ولأن الله هو العدل وهو العادل، وهو الحق، لذلك تكمن القوة في الحق، والضمان الوحيد لبقاء الحاكم وحبّ الناس له هو العدل. وهناك عشرات الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي تحثّ على العدل، ويكفي أن الله تعالى يقول في كتابه المحفوظ: «وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل». «ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء». «إنا اعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يُغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا».

ندعو ونبتهل، عسى الله أن يمحق كل ظالم، وعسى الله أن يعيد الحق إلى أهله وينشر العدل والسلام في ربوع وطننا العربي كله.
---------------------------
بقلم: د. أنيسة فخرو
* سفيرة السلام والنوايا الحسنة - المنظمة الأوروبية للتنمية والسلام


مقالات اخرى للكاتب

ضوء | الشعب العربي كله ضد التطبيع